ثورة الذكاء الاصطناعي ومعضلة التعليم القادمة

يبدو أنَّنا مُقبلون عَلى “تسونَامي” مَعرفيّ ومعلومَاتي سَيُغيّرُ البَسيطة في الأعوامِ الخمسِ القَادِمةِ!

أحدُ النَّماذِج الواعِدة لِمُستقبلِ المعرفةِ، ما يُسمى “شات جي بي تي” (ChatGPT)، حيثُ لا تِكرارات فِي المُحتوى، وإجابات مَنطقيَّة مُصاغة بأسلوبٍ يُحاكي البشر، مُدعَّم بالبياناتِ الدَقيقةِ، والأسلوبِ الرصينِ في التَقديم..

إنَّ التعليمَ هُو أولُ المُتأثرين بمثلِ تلكَ النَّماذجِ؛ فلكم أنْ تتَخيلوا أن يَطلُب مُعلمٌ أو مُحاضر أكاديمي مِن طالبٍ بحثاً في موضوعٍ مَا، ويقومُ الأخيرُ بالاستعانةِ بتقنيةِ الذكاء الاصطناعي في تنفيذِ هذه المُهمة، ثُمَّ في غُضونِ دقائق فقط، سيكون لدى الطالب بحثاً فَريداً، لا يشق له غُبار! أو مُقترحاً لعرضٍ تَقديمي، أو كُوداً برمجياً لحلِ مشكلةٍ معينة!

إنَّ المَرحلة القَادمةَ ستضعُ تعقيداتٍ جديدةٍ على كاهِلِ المُعلمٍ في التحقق من دَورِ طالبهِ الحقيقيّ في بِناءِ معرفتهِ، إذا مَا طُلب منه القيام بنشاطٍ بحثي، أو الإجابة عن سؤالٍ مَا، وسيفقدُ التعلّم عَناصِر مُهمة أخرى، كالاستكشاف، والتفكيرِ النَّاقِد، والإبداعيّ، والفوقِ المعرفيّ! كمَا يُصعِّبُ على المُعلّمِ اكتشافَ الغِشِ، ويَحرمهُ مِن تكليفِ الطلبةِ بأبحاثٍ تعاونيّة.

ورغمَ التحدياتِ السَّابقةِ إلا أنَّ للذكاءِ الاصطِناعيّ عدد كبير من الميَّزاتِ، فيُمكنُ -مثلاً- تَدريب الطلبةِ على كيفيةِ استخدام  (ChatGPT) فِي التَعلّمِ الذَّاتي، وتنميةِ مهاراتِ اللغةِ، والبرمجةِ، واقتراحِ الحُلولِ، شريطةَ أنْ يتغيَّر دورُ المُعلمِ في توظيفهِ للتقنيّة.

مِن المعروفِ أنَّ تطويرِ قُدراتِ مُعلمينا من الضرورات الحتميّة، ولكنَّ مع هذا التغير السريع، أصبحَ أكثر إلحاحاً، في فَهمِ المُتغيراتِ القادمةِ في دَورهم، وذلك على صعيدِ برامجِ إعدادهم فِي الجامعاتِ، وأثناءَ الخدمةِ، مُواكبةً للتطور الجَذري القَادمِ، وتنميةِ قُدرتهم في تفسيرِ عملياتِ التعلمِ وتوجيهه لدى طلبتهم.

يبدو أنَّنا نقفُ على أعتابِ الثورةِ الصناعيّةِ الخَامِسة، بعدَ أنْ شَارفت الرَّابعةُ إغلاقَ بَابها، وأسألُ الله أن يكونَ هذَا التطورُ خدمةً للبشريّة، وبناءِ الحضارةِ.

أكرم فروانة / اختصاصي تكنولوجيا تعليم – فلسطين

طلب خدمة