العدالة التصالحية

كان من أوائل الدروس التي تلقيتها كمدرس في الفصل، السلوك وهو شكل من أشكال التواصل، كانت إحدى أكثر لحظات التعلم بروزًا عندي عندما رفض أحد طلابي (عادةً ما يكون هادئًا ويعمل بجد ) إكمال واجباته الصفية، شعرت بالإحباط في البداية، وسرعان ما سألته سؤالًا بسيطًا لا يصدر أحكامًا (ما الذي يحدث؟) فأجابني أن والدته أصيبت مؤخرًا بمرض خطير.

كثير من الأحيان ما يقرأ المعلمون أفعال الطلبة الغير اعتيادية والخارجة عن المألوف على أنها سوء سلوك أو عدم احترام لكنها في الواقع تعكس شيئًا أعمق لنا حوله، كالتحديات الشخصية التي تواجهه، أو انعدام الثقة أوالصراعات الاجتماعية وآثارها العاطفية في محيطه، وأكثر من ذلك. وما يقوم به المعلمون عادة للتعامل مع هذه الأفعال هو تفعيل (العقوبة) وهي أداة إدارة الفصل الدراسي السائدة في مدارسنا، لكننا بذلك نكون قد ساعدنا على تفاقم نتائج هذه الأسباب الكامنة، مما يؤدي إلى تمزق العلاقات بين المعلم وطلبته وزيادة حالة الصراع التي يعيشها الطالب نفسه.

(العدالة التصالحية) وتعني حمل المخطئين على أن يكونوا مسؤولين عن أفعالهم، وأن يفهموا الأذى الذي تسببوا به، وأن يُعطَوا فرصة ليخلصوا أنفسهم وأن يتوقفوا عن هذا التصرف. أما بالنسبة للطرف الآخر، فإن هدف العدالة التصالحية أن يُعطى هؤلاء دورًا في العملية وأن يقلّل شعورهم بالقلق وقلة الحيلة. هي فلسفة ونهج لمعالجة الصراع المتجذر في العلاقات والإصلاح والمساءلة، حيث يدعو المعلمين إلى الابتعاد عن العقوبات والتركيز على توطيد العلاقة بالطلبة وبناء الثقة من خلال الأنشطة المختلفة، إن العدالة التصالحية تقدم فعليا لنا القدرة على فهم الأسباب الأساسية لكافة السلوكيات الغير مرغوبة التي يقوم بها الطلبة أو حتى المشاكل التي يفتعلونها والعمل على إصلاحها.

خلال العام الدراسي (2022/2021)، كنت محظوظًا بما يكفي للعمل كمنسق للعدالة التصالحية في مدرسة متوسطة. علمني هذا الدور قدرًا هائلاً عن قوة الممارسات التصالحية وكيف لها أن تدعم وتنمي مجتمعًا مدرسيًا أكثر صحة، داخل وخارج الفصل الدراسي.

  • تعليم الطلاب كيفية إدارة النزاعات الخاصة بهم.

غالبًا ما يفهم المعلمون أدوارهم في المقام الأول كتعليم الطلاب المحتوى الأكاديمي الخاص بنا. ومع ذلك، هناك الكثير مما نقوم بتدريسه لطلابنا خارج مناهجنا الدراسية. على سبيل المثال، عندما نلجأ فقط إلى العقوبات كحل للنزاع والخلافات، ما الذي نعلمه طلابنا حول كيفية التعامل مع الصراع في حياتهم، الآن وكبالغين في المستقبل؟

علاوة على ذلك، عندما نحل النزاعات لطلابنا بدلاً من إعطائهم الفرص للقيام بذلك، فإننا نحرمهم من فرصة تعليمية هائلة. في حالة التنمر، على سبيل المثال، بدلاً من مجرد معاقبة الطالب الذي تسبب في ضرر، يمكننا دعوة الطلاب المعنيين إلى دائرة تصالحية. من خلال هذه العملية، يمكننا أن نفهم بشكل أعمق أسباب هذا الصراع، واحتياجات الطالب الذي تعرض للتنمر، ويمكن للطلاب المشاركة في إنشاء الحلول للمضي قدمًا. ومن ثم فإن اكتساب هذه الخبرات يعلم الطلاب استراتيجيات للتعامل مع النزاعات بأنفسهم!

عندما كنت أدير حلقات بين الطلاب المتورطين في التنمر، كانت الأفكار مفيدة دائمًا: في بعض الأحيان نتعلم أن الطالب الذي يتنمر كان يعاني من ضغط الأقران، أو تدني احترام الذات، أو مشاكل الغضب، في أوقات أخرى، نتعلم أن الطالب الذي تعرض للتنمر ساهم أحيانًا بشكل صريح وأحيانًا عن غير قصد في أسباب النزاع. بدون فهم ومعالجة هذه القضايا الأساسية، لن نحل المشكلة بشكل كامل.

تخيل معي أن الطلاب من المرحلة الابتدائية يشاركون في أنشطة مناسبة لمرحلة السنية لحل النزاعات، تخيل كيف يمكن أن تزدهر ثقافة المدرسة وعلاقات الطلاب بعضهم البعض ومع معلميهم!

  • تحسين ثقافة الموظفين.

العدالة التصالحية لا تتعلق فقط بحل الخلافات بين المعلم والطلاب، إن المدارس التي تتبنى نهجًا شاملاً لحل النزاعات في حقيقة الأمر توطن ثقافة أخلاقية رصينة لموظفيها. إننا باستخدامنا العدالة التصالحية فقط لمعالجة النزاعات مع الطلاب ليس مع زملائنا المعلمين، فإننا لا نستمر فقط في إلحاق الضرر بثقافة المدرسة، ولكننا ننزع الشرعية عن العدالة التصالحية كأسلوب لمعالجة النزاع.

كان أحد الإجراءات البسيطة التي اتخذتها عندما كنت منسقا للعدالة التصالحية هو بدء كل اجتماع للمعلمين بدائرة افتتاحية. سمحت هذه الدوائر للمعلمين خاصة أولئك الذين لا يعملون معًا في كثير من الأحيان بالإبطاء من وتيرة العمل السريعة ومعرفة المزيد عن زملائهم، وبناء علاقات جديدة بناءً على الاهتمامات المشتركة.

وبصفتك مدير للمدرسة، من المهم التفكير في العدالة التصالحية ليس فقط على أنها تحول في الفصل الدراسي، بل تحول على مستوى المدرسة. كيف يمكننا استخدام أدوات مثل الاجتماعات والجلسات الحوارية للتوسط في حل الخلافات بين المعلمين؟ يمكن أن يساعد التعامل مع هذه السؤال في دعم ثقافة مدرسية أكثر صحة، والتي يمكن أن تحسن معنويات المعلم وتجارب الطلاب في المدرسة.

مات كنيلينغ / رئيس قسم في مدرسة ديترويت – الولايات المتحدة

طلب خدمة