لقد باتت حوكمة التعليم ضرورة ملحة لحلحلة جميع القضايا المتعلّقة به، كانحدار مستواه العام وسوء ممارسات القائمين عليه، وضعف مخرجاته وانحراف كل مؤشراته وتقويض كفاءاته.
حوكمة التعليم، وباختصار، هي نموذج لإدارة صناعة سياسات التعليم بناء على إجراءات منسقة، لإشراك أصحاب الاختصاص والمصلحة في التعليم من القطاعين الحكومي والخاص على كل المستويات، لوضع الأهداف ومن ثم التنفيذ فالمتابعة والمراجعة وأخيرا المحاسبة. وعليه، يتضح جليا جوهر الحوكمة المتمثل في تعزيز التفاعل والمشاركة بين أصحاب المصلحة المختصين (القائمين على التعليم والتعليم العالي) مع تحسين الصلة بينهم لضمان شفافية وتماسك وفعالية وكفاءة سياسات التعليم ونظامه بالدولة.
بل إن مهمة تحسين الحوكمة بحيث يستطيع النظام التعليمي أن يحسن أداءه بصفة مستقلة ودورية، من دون الوقوف على وزير أو وكيل جديد جيد أو سيئ، بات أمرا معترفا ومعمولا به على نطاق واسع بدول العالم، باعتباره منطلقا لما بات يسمى بالحوكمة الرشيدة، أي ضمان الإدارة الفعّالة للموارد والمشكلات العامة، والاستجابة للاحتياجات الحيوية للمجتمع على الدوام.
تشخيص رشيد من سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد لوضعنا الراهن، ومبادرة حسنة ومسؤولة بالاعتراف بسوء الحالة التعليمية التي تشهدها البلاد، والتي بمقتضاها ضمن سموه حتمية تصحيح اعوجاجها ومحاولة علاجها، ضمن قائمة التحديات التي ستواجهها الحكومة في القادم من الأيام.
وعند النظر لحال وزارتنا ومحاولات قياداتها لإصلاح التعليم نجدهم ينأون بأنفسهم عن العمل على الجوانب المتكاملة لعملية التعليم، ويركزون على جوانب متفرقة (كإصلاح المناهج، وطرح مجموعة جديدة من التخصصات، أو حتى استحداث إدارات أو مراكز لتطوير التعليم وضبط جودته)، فتكون هذه الادعاءات بالإصلاح مرتكزة على مجموعة قليلة من القضايا غير المرتبطة مدخلاتها بمخرجاتها، وقد ثبت كثيرا أنه من الصعب تحقيق تحسينات ملموسة من خلال هذا النهج، بل على العكس غالبا ما يظل النظام التعليمي ذا مكانة متدنية في نفوس العاملين به والمنتفعين منه.
وعليه، من المنطق الآن إطلاق مجموعة من المبادرات اللامركزية من قبل مجلس الوزراء الموقر، وبصورة مبكرة جدا لتوسيع دائرة الحوار الرأسية والأفقية، مع تقليل ممانعة قيادات قطاعات الوزارة المختلفة لتقاسم عمليات صنع واتخاذ القرار، خصوصا بوفرة الخبرات في الميدان التربوي، والتركيز على تطوير إطار وطني كشرط أساسي لوضع معايير الجودة في الوزارة، والأخذ بسرعة إنجاز وتطوير المعايير الخاصة بالتخطيط والإدارة والتدقيق والمحاسبة، وتوسيعها لتشكّل جزءا من الأساس المطلوب لتحقيق نقلة إلى نظام أكثر استباقية وموجها بالإصلاحات لضمان تحقيق الجودة.
وفي النهاية، فإن جميع الحقائق تشير إلى حاجة وزارة التربية القوية والملحة للانتقال إلى مقاربة اكثر اعتمادا على التسلسل والشمولية في الأداء، والابتعاد عن الاجتهادات الشخصية التي تحتمل الخطأ والصواب.