إن المراقب بشكل جيد للحراك التعليمي على مستوى العالم، يرى هذا السباق المحموم الذي لا يتوقف بين الدول والتنافس الشديد من أجل تصدر قائمة الدول الأفضل في مستوى التعليم، والعامل الحاسم أو المعيار الأساس الذي تحتكم له المؤسسات الدولية لتصنيف أي مؤسسة تعليمية في أي بلد هو نتائج الطلاب في أي نوع من أنواع الاختبارات الدولية.
وبغض النظر عن أنواع هذه الاختبارات وتفصيلاتها فإنه يمكننا القول إن المحك الحقيقي لمعرفة مستوى تعليم دولة ما هو مستوى التقويم التعليمي للطلاب فيه، فإذا استطاع الطلاب التعامل مع أشكال التقويم ومستوياته خصوصاً في مستويات مهارات التفكير العليا؛ حينها يمكننا أن نقول عن النظام التعليمي الذي ينتمي إليه هؤلاء الطلاب أنه نظام تعليمي جيد.
في دولتنا الغالية، لا يختلف اثنان على أن هناك جهود رامية لتحسين وتطوير العملية التعليمية، وأن لدينا العزيمة الكاملة لخوض هذا التنافس الدولي في مجال التعليم وأننا –بعون الله– وبالإصرار والعمل الدؤوب سنحقق ما نصبو إليه طالما أننا وضعناه هدفاً ورؤية يشتغل جميع التربويين من أجل تحقيقها.
إننا في الفترة الحالية أحوج ما نكون إليه هو إدراك أن هذا التنافس الدولي في التعليم يقع بشكل كبير على محور (تقويم الطالب) هذه الحلقة التي أرى أنها الحلقة الأضعف لدينا في التعليم، فنحن لطالما اهتممنا بتطوير المقررات والبرامج الدراسية والقيادة المدرسية والإشراف وتطوير المعلمين والبيئة المدرسية وكلها عوامل مهمة وضرورية ولا تزال تحتاج المزيد من الدعم والتطوير والاهتمام.. لكن في المقابل كان ولا يزال جانب تقويم التعلم عند الطلاب أحد الجوانب بطيئة الحركة، أو التي مرت بتجارب متسرعة غير مدروسة، بل إنه من الجوانب التي تراجعت للدرجة التي قد تسبب خطراً على مستقبل العملية التعليمية في قادم الأيام.
إنه من أجل أن نهيئ طلابنا ليكونوا طلاب قادرين على اجتياز الاختبارات الدولية؛ علينا أولاً أن نطور ونغير في نظام تقويم تعلمهم والأساليب والإجراءات المتبعة في تنفيذه – على سبيل المثال- أكثرنا يدرك درجة الضرر الذي تسببت به اختبارات الخيارات المتعددة على العملية التعليمية، ذلك أنها تحولت – دون معرفة لأسباب هذا التحول – لاختبارات ذاكرة فحسب حيث لا تلامس في أحسن أحوالها مستويات التذكر أو الفهم عند الطالب في اختبارات الخيارات المتعددة تغيب الأسئلة التحليلية أو المقالية أو الأسئلة التي تطلب من الطالب نقداً وتركيباً وربطاً للمواضيع والأفكار ربطاً معرفياً مناسباً، أما من جانب آخر لايزال الاعتماد الأكبر حتى مع نظام التقويم الجديد على الاختبارات التحريرية أكثر من أشكال التقويم الأخرى مما يقلص فرصة تقويم الطالب من خلال المشاريع والمهام الأدائية والتقارير والأنشطة والعروض التقديمية.
لقد تكونت اتجاهات واعتقادات غير علمية وغير مبررة عند شريحة واسعة من المعلمين فيما يتعلق ببناء الاختبارات، وللأسف هذا الجانب بالتحديد وهو بناء الاختبارات القوية لم يحظى المعلمين بالتأهيل والتدريب الكافي حوله. مما يجعلنا نرى نماذج كثيرة لأسئلة اختبارات اختيار المتعدد في المدارس تتصف بالسهولة الشديدة فهناك نظرة أو اتجاه بأن الطلاب بحاجة لتيسير الأسئلة لهم وتبسيطها حتى لا تنخفض درجاتهم فيكون ذلك سبباً لإشكالات قد تلحق بالمدرسة أو المعلم أو الطالب نفسه. وبغض النظر عن هذا كله فإن الحقيقة الجوهرية أنه ما من هبة عظيمة يمكن أن يهبها معلم لطلابه مثل أن يجعلهم قادرين على التعامل مع الاختبارات القوية والأسئلة التي تتطلب الإجابة عليها إتقان مهارات التفكير العليا مثل التقويم والتحليل والتركيب والإبداع والنقد والخيال، فعندما يمتلك الطالب مثل هذه المهارات تصبح إمكانية نجاحه في حياته العلمية والمهنية والاجتماعية مستقبلاً أكثر تحققاً، إذ إن عالم اليوم لا يتميز فيه إلا من يملكون مثل هذه المهارات.
يمكن أن أختم بأنه من الضروري على النظام التعليمي ألا يبحث عما هو أسهل وأيسر في عمليات التصحيح الآلي والرصد أو العمليات الإدارية الخاصة بنظام رصد نتائج الاختبارات وتصحيحها، فهذه عمليات لوجستية إدارية لا يفترض إطلاقاً أن تحكم أو تتحكم في نوعية ومستوى الاختبارات المقدمة للطلاب.. الأصل أن يبنى الاختبار بالطريقة التي تطور وتسمو بعقلية الطالب ومهاراته ومن ثم يوضع لها بعد ذلك النظام الإداري المناسب للتصحيح والرصد وخلافه.. لأن نظام تقويم الطالب هو الرهان الحقيقي لتحسين مستوى التعليم وقدرتنا على المنافسة الدولية والمكانة التي نستحقها بين الأنظمة التعليمية على مستوى العالم.
د.خليل الشريف
مشرف تعليمي / وزارة التربية – المملكة العربية السعودية